اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 311
[المسألة الأولى] :
في تعريف النبي.
النَّبِيُّ في القرآن جاء فيه قراءتان {النّبي} والقراءة الأخرى {النبيء} بالهمز {يا أيها النبيّ} ، والقراءة الثانية {يا أيها النبيء} كما هي قراءة نافع وغيره.
وفرق ما بين النبي والنبيء.
فالنبيء: هو مَنْ نُبِّئَ.
والنبي: من صار في نَبْوَةٍ؛ يعني في ارتفاع عن غيره.
فإذاً نقول: (النبي) و (النبيء) هو من اختصه الله - عز وجل - بالإنباء والوحي، فصار مرتفعاً عن غيره في المقام لأجل ما أوحى الله - عز وجل - إليه.
هذا ليس تعريف -يعني حد- ليس حداً ولكن هذا تقريب.
أما الرُّسُلْ، الرسول، فظاهرٌ من اللفظ أنَّهُ أُرْسِلْ.
فلفظ نبيء ونبي من جهة اللغة واللفظ الذي جاء في القرآن هذا فيه الإنباء وفيه الرفعة، والرسول فيه الإرسال.
ولهذا اختلف العلماء هل النبي والرسول واحد أو بينهما فرق؟
على أقوال كثيرة مر معنا تفصيل الكلام عليها في عدد من الشروح وأقربها شرح الواسطية وغيره؛ لكن نذكر لك ملخص الكلام:
1- القول الأول: من أهل العلم من قال النبي والرسول بمعنىً واحد، فكل رسول نبي وكل نبي رسول، وذهب إلى هذا جمع من أهل العلم من المفسّرين ومن الفقهاء وغيرهم.
2- القول الثاني: هو أنَّ النبي غير الرسول، ودلّ على الفرق بينهما:
أ - قول الله - عز وجل - في سورة الحج {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} [الحج:52] ، قال {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} فدَلَّ ظاهر الآية قوله {مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} أنَّ النبي غير الرسول، وظاهر الدلالة على أنَّهُ ثَمَّ فرق بينهما، ولو كان النبي هو الرسول لما صح أن يُقَال {مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} لأنَّ النبي هو الرسول كيف يقول {وَلَا نَبِيٍّ} ، قد يكون بالعطف بالواو من رسول ونبي فتكون هنا مُغَايَرَةْ، في الصفات، لكن لمَّا أُدْخِلَتْ {لاَ} دل على أنَّ هذا غير هذا {مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} .
ب - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الرسل والأنبياء الذين يأتون يوم القيامة فقال «يأتي النبي ومعه الرهط، ويأتي النبي ومعه كذا، ويأتي النبي وليس معه أحد» [1] ، ووجه الدِّلالة من الحديث أنّ قوله «ويأتي النّبي وليس معه أحد» يحتمل:
- أن يكون لم يُرْسَلْ إلى أحد.
- ويحتمل أن يكون لم يستجب له.
ويتجه الاحتمال أنه لم يرسل إلى أحد؛ بل هو نبيّ لقوله صلى الله عليه وسلم «ما بعث الله من نبيٍ إلا وأعطاه من الآيات ما على مثله آمن البشر وكان الذي أوتيته وحيا يُتلى» [2] الحديث الذي رواه مسلم في الصحيح حديث عياض بن حمار المجاشعي، فدلّ على أنّ كل نبي أعطي آية وآمن من آمن بتلك الآية.
لهذا نقول: قوله صلى الله عليه وسلم «ويأتي النبي وليس معه أحد» هذا لأجل قَصْرْ الرسالة على هذا النبي وحده؛ يعني أنَّهُ ليس مُرْسلاً إلى غيره.
ج - حديث أبي ذر المشهور الذي رواه ابن حبان في الصحيح ورواه غيره من أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ عِدَةَ الأنبياء، هو حديث طويل منه جمل ثابتة صحيحة بشواهدها، ومنه جمل مُخْتَلَفْ فيها، فمنها أنَّهُ ذَكَرَ عِدَّةَ الأنبياء وذَكَرَ عِدَةَ المرسلين، فقال في عدد الأنبياء إنهم مائة وأربعة وعشرين ألف، وقال في عدة المرسلين إنهم كعدة أهل بدر يعني نحو أربعة عشر وثلاثمائة رسول [3] ، فدلّ الحديث على الفرق بينهما، وكون هذا هو العدد أو أقل ليس هو هذا محل الشاهد، وإنما قَوّى صحة التّفريق ما بين النبي والرسول أنه في الحديث الإختلاف في العدد، ودِلالة الآية والحديث الذي قبله يقوي الاستدلال بحديث أبي ذر هذا.
المقصود دَلَّت هذه على ترجيح قول من قال إنَّ الرسول والنبي مختلفان وهذا ظاهر في الاستدلال كما ترى.
ما الفرق بينهما في التعريف؟
اختلف العلماء في تعريف النبي والرّسول فقال مِمَّنْ قَالَ بالفرق بينهما:
& فقالت طائفة كثيرة من أهل العلم:
إنّ النبي: هو من أُوحِيَ إليه بشرع ولم يُؤْمَر بتبليغه.
والرسول: من أُوحِيَ إليه بشرع وأُمِرَ بالتبليغ.
فجعلوا الفرق ما بين النّبي والرّسول هو الأمر بالتبليغ.
& وقالت طائفة أخرى، وهو قولٌ أيضا مشهور عند عدد من المحققين وهو الذي اختاره ابن تيمية رحمه الله في أول كتاب النبوات أنَّ الرسول والنبي يشتركان في وقوع الإرسال عليهما.
الرسول مُرْسَلْ والنبي مُرْسَلْ لظاهر قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} ، فالرسول مُرْسَلْ والنبي أيضا مُرْسَلْ لكن جهة الإرسال مختلفة، قال:
الرسول: يُرْسَلْ إلى قوم يخالفونه في أصل الدين فيأمرهم بالتوحيد وينهاهم عن الشرك. [1] سبق ذكره (79) [2] البخاري (4981) / مسلم (402) [3] سبق ذكره (269)
اسم الکتاب : شرح الطحاوية = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل المؤلف : آل الشيخ، صالح الجزء : 1 صفحة : 311